الثقافة

تعود أول آثار السكن البشري بالمنطقة إلى العصر الحجري. وقد استقرت بها قبائل من السود قادمة من الجنوب ومن الشرق وشكلت أول سكان لموريتانيا، حسب رأي بعض الباحثين، في حين يرى آخرون ان العناصر البربرية كانت هي الأسبق لسكن المنطقة.

في الألفية الأولى قبل الميلاد هاجرت قبائل بربرية قادمة من شمال أفريقيا إلى موريتانيا وهيمنت على السكان السود. وجلبت هذه القبائل معها الجياد والجمال التي سهلت التبادل التجاري.

وفي القرن الحادي عشر نشأت حركة المرابطين في موريتانيا وهم فرع من صنهاجة، تفقهوا في الإسلام وبدؤوا الجهاد ضد إمبراطورية غانا 1076م من موريتانيا ونشروا الدين الإسلامي في القبائل الصنهاجية. وعرفت مدن مثل “آودغست” ازدهارا دينيا وفكريا في هذه الفترة. وتوسع المرابطون في جزء من المغرب العربي والأندلس وبعض المناطق من أفريقيا.

في بداية القرن الثالث عشر اجتاحت قبائل عربية البلاد. ثم في القرن السادس عشر استقرت قبائل بني حسان العربية بموريتانيا وقد جاءت من صعيد مصر لكنها واجهت معارضة شديدة من القبائل البربرية التي تمت السيطرة عليها في النهاية. واختلطت هذه القبائل وأعطت أهم مجموعة بشرية على مر تاريخ موريتانيا العرب البربر أو الموريين. وقد كان المجتمع الموريتاني القديم ينقسم إلى طبقات هي (الزوايا / العرب / أزناك / الحراطين / المعلمين) وكل طبقة كان لها دور تمتاز به عن الأخرى فالعرب تتولى الدفاع عن الدولة والزوايا تتولى العلم والتعليم، والحراطين يقومون بالزراعة. وظل في موريتانيا سكان أفارقة ينقسمون إلى ثلاث مجموعات هي السوننكي، والفلان(الفلاتا)، والوولوف، كل له لغته وقد كانت توجد فيهم أيضا طبقات هي (الأحرار، الأرقاء، والصناع)

لقد قال أحد المؤرخين الفرنسين ان كلمة مويتانيا اصلها يوناني وتعني أرض البيضان وهم سكان موريتانيا.

                                                                                                                                                                          

المدن الأثرية

يختلفُ حاضرُ  المدن التاريخية الأثرية  الاربع في موريتانيا “ولاته” و”تيشيت” و”وادان” و”شنقيط” عن ماضيها اختلافا بينا، فقد جفت فيها مواردُ الحياة من زرع وضرع، وتفرقت ساكنتُها  وخلت شوارعُها من حركية دؤوبة عرفتها أيام عصرها الذهبي قبل قرون عديدة من الآن حين كانت تلك المدن مركزا اشعائيا وعلميا تجاوزت شهرتُه الحيز الجغرافي لتلك المدن  .

وتتوزّع على طول خريطة الصحراء الإفريقية الكبرى مجموعةٌ من المُدُن التاريخية العربية الإسلامية، التي لم تنل بعد ذلك القدر من الإهتمام في وسائل الإعلام العربية.

و لعلّ من أبرز هذه المدن التاريخية  وأكثرها الآن عرضةً لخطر الإندثار، المدن التاريخية الموريتانية التي أطلقت الأمم المتّحدة نداءً دوليًا لحمايتها من التّصحر والإنقراض. وهذه المدن هي “ولاته” و”تيشيت” و”وادان” و”شنقيط”؛

“مدينة ولاته  تبهر الرحالة ابن بطوطة”

يعودُ تاريخ بناء مدينة ولاته الموريتانيّة إلى القرون الأولى للميلاد. وكانت في البدء تُسمّى “بيرو” لكنها ازدهرت مع مجيء الدّين الإسلامي، فأصبحت عقدة للتجارة الصحراوية. وأصبحت القوافل تتّخذها مركز انطلاقٍ لتجارة الذهب القادم من مالي إلى سواحل المتوسّط. وربما يحسن بهذا المقام أن نذكر أنّ الرحّالة المغربي ابن بطوطة قد زار ولاته في حدود 726هـ، أي مع مطلع القرن الرّابع عشر الميلادي، وتحدّث في رحلته عن الإزدهار الشّديد الذي تعرفه هذه المدينة بحكم موقعها بين الأقاليم السّودانية “مالي” وبين سجلماسة والواحات المغربية

كان ابن بطوطة يسمّي المدينة في رحلته “ولاتن” ومَرَدُ ذلك إلى طريقة التّعريف والتنوين في اللغة الأمازيغية التي كان مُعظم سكان المدينة يتحدّثون بها وقت زيارته. ومن هنا أخذ منهم الإسم شفهيًا واستخدمه أثناء مدحه لهذه المدينة على امتداد صفحاتٍ عديدةٍ من رحلته الشّائقة.

ومنذ مطلع القرن السّادس عشر الميلادي عَرفت مدينة ولاته بداية نهضةٍ فكريةٍ كبيرةٍ، وأصبحت أحد أهمّ مراكز الإشعاع الثقافي العربي الإسلامي. فهاجر إليها عددٌ كبيرٌ من علماء مدينة “تومبوكتو” المالية  التي عرفت قلاقل. وفي الظروف عينها هاجر إليها علماء ومفكرون من فاس وتلمسان ومراكش، كما استقر بها بعضُ أهالي توات بجنوب الجزائر، وبعض العائدين من الأندلس التي سقطت نهائيًا بيد الإسبان، عام 1492.

والحقيقة أنّ هذا الكم الهائل والمتنوع من المهاجرين رفد المدينة بمصادرها الثقافية التي بقيت حتّى الآن، وسُمِحَ لها في الوقت نفسه بأن تتحوّل خلال القرون الخمسة الماضية إلى منارة ثقافيّة وعلميّة وعاصمة من عواصم الفقه المالكي. كما نجد هذه الروافد المختلفة ماثلةً في العمارة الولاتية البديعة.

مدينة ولاته الآن مُعرّضة بكلّ تراثها الإسلامي العريق للغرق بفعل التّصحر وزحف الرّمال. وهذا هو سبب الحملة الدولية التي أطلقتها اليونيسكو من أجل المُدُن التاريخية الموريتانية الأربع. وإن كانت ولاته أكثرها عرضةً لواقع هجرة عدد كبير من سكّانها لِحَدٍ أنّهم لم يعودوا الآن يزيدون على الألفي نسمةٍ، وهم الذين كانوا يزيدون على العشرات من الآلاف منذ عهودٍ سحيقةٍ. ولعلّ العزاء الوحيد في بقاء هذه المدينة العربية هو نشاط المكتبات والمخطوطات المدعومة لحدٍ ما من اليونيسكو والمعهد الموريتاني للبحث العلمي، وهذا ما سمح بتصنيف بعض مكتباتها التي تحوي آلاف المخطوطات الثمينة التي لا تُقدّر بثمنٍ، على أن البعض الآخر مازال عرضةً للإهمال ويعيش حالةً مزريةً تُهدّدُ، إن لم يتداركها الغيورون على ثقافة هذه الأمّة، بأن تنقرض وتصبح أثرًا بعد عين مرةً واحدةً إلى الأبد.

“مدينة شنقيط ومنها اخذ الموريتانيون لقب الشناقطة “

تقع مدينة شنقيط على ظهر آدرار ( جبل لمتونة ) على التخوم الجنوبية من الشمال الموريتاني ويتراوح عدد سكانها بين 3000 نسمة في الشتاء ليربو على 7000 في الصيف (موسم الكيطنة) وقد كان الاقتصاد التقليدي يقوم على أسس ثلاثة هي واحات النخيل وما تنتجه من تمور وما يزرع تحتها من حبوب، ثم تربية الماشية التي كان يملك السكان منها كميات معتبرة، وأخيرا النشاط التجاري نظرا لموقع المدينة على طريق القوافل بين المغرب والسودان، فكان لأهل المدينة ثلاثة اتجاهات للتسويق والتسوق هي السوادن(مالي الحالية) وواد نون في جنوب المغرب ومدينة اندر السنغالية.

” تأسيس المدينة”

خلافا للمدن التاريخية  الموريتانية الأخرى، فلم يكن أهل شنقيط يهتمون بالتدوين وخاصة تدوين التاريخ، ولذلك لم نجد مؤلفات لأهل المدينة قبل القرن الهجري الحادي عشر أي بعد تأسيس المدينة بأربعة قرون،فكانت التقاليد الشفوية أهم مصادر تاريخ المدينة وهي مطية لخلط الحقائق بالأساطير، وتتقاذفها الأهواء والنعرات غير أن الذي درج عليه مؤرخو المدينة هو أن شنقيط الأولى أسست قريبا من موقعها الحالي سنة 160هـ تحت اسم “آبير” وهو تصغير مصنهج لكلمة بئر ربما لقرب مائها من السطح، وقد تكون إحدى الآبار التي حفرها عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع سنة 116 للهجرة للربط بين سجلماسة بجنوب المغرب وأوداغست قرب تامشكط الحالية، وقد بلغت المدينة أوج ازدهارها إثر سقوط دولة المرابطين الشمالية سنة 541هـ وانزياح القبائل الصنهاجية التي كادت تتألف منها دولة المرابطين إلى الجنوب.

أما شنقيط الثانية ( شنقيط الحالية) فإن المتثوارث من الروايات الشفوية يرجع تأسيسها إلى سنة 660 هجرية (1262م) على يد أربعة رجال هم محمد غلي بن إبراهيم جد قبيلة لغلال ويحي العلوي بن أبيح جد إدوعل، وأعمر بن علي المعروف بأعمر بن يبني جد آمكاريج وهو عم يحي،و إيديجر، في روايات تتفق في جوهرها وتختلف في تفاصلها.

أما المصادر المكتوبة عن هذه المدينة  فإنها قليلة وقليل ما تخصصه لذكر المدينة. فقد ذكر عبد الرحمن السعدي في تاريخ السودان أن رجلا من شنقيط من قبيلة آجر الصنهاجية يدعى محمد نل قد عينه أحد ملوك دولة مالي سنة 837هـ حاكما لتينبكتو كما ذكر أن إمرأة ثرية أغلالية ينت مسجدا في نفس المدينة، وكذلك شنقيط ذكرها الرحالة البرتغالي فالنتينو فرنانديز Fernandez) (Valentinoسنة 1507 م – 912ه في سياق تعداد القرى الواقعة فوق جبل بافور.

أما اول شيئ مفصل نسبيا فإنه يعود إلى العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم سنة 1205هـ في ورقات سماها صحيحة النقل في علوية إيدوعلى وبكرية محمد غلى وقد نسخ جلها صاحب الوسيط بصفة تكاد تكون حرفية . ثم كتب سيدي محمد بن حبت ( ت 1288هـ) تاريخا للمدينة لخصه ابنه أحمد المتوفى 1301 هجرية ثم فصله حفيده سيد محمد (ت 1952هـ ) في نقلة سماها تاريخ التكروربحيث وسعها إلى الفضاء الشنقيطي الأشمل .إلا أن مصادر كل هذه الكتابات لم تكن تعتمد إلا على التقاليد الشفوية الموروثة.

لم تتأثر المدينة كثيرا بالنزاعات التي نشبت بين قبائل صنهاجة وقبائل بني حسان، وبعد انتصار هؤلاء لم يكن حكمهم للمدينة إلا رمزيا، إذا كانت تحيط بها هالة من القداسة تجلب لها الاحترام فأصبح الحكام الجدد يتبركون برموز المدينة الدينيين.

“مدينة وادان …وشارع الأربعين عالما”

يعود تأسيس مدينة “وادان” إلى القرن السادس الهجري، وبالتحديد في عام 536هـ، وتقول الروايات التاريخية الشعبية: إن نشأة المدينة تعود إلى ثلاثة رجال صالحين وجدوا – قدرًا – بسفح الجبل المطل على المدينة حاليًا – وأنهم اتفقوا على الحج، وعند عودتهم يقومون بالاستقرار هناك، نظرًا لموقعه – أي الجبل – المميز، الذي يصلح لبناء رباط كانوا قد اتفقوا على تأسيسه بعد عودتهم من مكة، وإذا كانت تلك هي الرواية الشعبية التاريخية لتأسيس المدينة، فإن الروايات التاريخية الموثوق بها علميًّا تقول: إن مؤسس المدينة هو الحاج عبد الله الحاج شيخ قبيلة أد الحاج التي ما زالت تقطن المدينة.وقد بدأ في تشييد سور حول المدينة في عام 540هـ واستمر العمل فيه إلى عام 547هـ.

المدينة مبنية على حافة جرف وتعتبر قبلة للسياح لما تتمتع به من مناظر خلابة وما تحويه من بيوت أثرية وقد عرفت أوج إزدهارها فالقرن السادس الهجري وقد أعلنتها اليونسكو إرثا حضاريا عالميا

” مكانتها التجارية والعلمية “

يعتبر القرن الثامن عشر، وكذلك العقود الثلاثة الأولى من القرن التاسع عشر، فترة الازدهار الذهبية للمدينة، وقد كان ذلك لعدة عوامل تضافرت مجتمعة، من بينها الموقع المتميز في قلب الصحراء، والأمن والاستقرار اللذان وفرهما سور وادان في وقت كانت التجارة الدولية عبر الصحراء تشهد ازدهارًا منقطع النظير، فكانت القوافل تمخر عباب تلك الصحراء حاملة الملح والدقيق، والحبوب متجهة نحو المشرق، ثم قادمة منه.وكلها تمر بوادان تقريبًا.الأمر الذي جعل المدينة تعج وترفل في نعيم مقيم. وتزدهر ليس كسوق اقتصادية ومحطة تجارية هامة فحسب، وإنما كمصدر إشعاع حضاري منقطع النظير، طارت شهرته العلمية والثقافية عبر الآفاق، وأخذ اسمها يلمع كمنافس قوي لمدن أخرى عتيقة كانت ترتدي حلة المعرفة والثقافة في المغرب كشقنيط  و فاس  و القيروان .

“مدينة “تيشيت”جوهرة الصحراء”

اشتهرت تيشيت بدورها العلمي والدعوي والتجاري في إقليم الساحل الإفريقي، وتعد من المدن المصنفة تاريخية لدى اليونيسكو.وقد تأسست على يد الشريف عبد المؤمن سنة536 هجرية ويقال إن سبب تسميتها بهذا الاسم هو أن الشريف عبد المومن مؤسس المدينة وجد أشرافها المعروفين لما رءاها من الجبل الذي يطل عليها اعجبه موقعها فقال تي شئت أي هذه اخترت وكان أول ما بناه المسجد الذي يصل طول منارته إلى 16 مترا وتحتوي المدينة على مكتبات غنية بالمخطوطات النادرة والهامة وتقدر المخطوطات بالمدينة بحوالي عشرة آلاف مخطوط.

“تيشيت قبلة لطلاب العلم”

مدينة تيشيت إحدى المدن المصنفة تراثا إنسانيا من طرف اليونيسكو، تميزت بفنون معمارية جميلة، مازالت منارة مسجد المدينة وبقايا الدور القديمة تحكي قصة جمالها وعمق أصالتها.

وقد شهدت مدينة تيشيت إزدهارا علميا وثقافيا متميزا جعلها قبلة لطلاب العلم. وكانت المدينة منطلقا لقوافل تجوب البلاد شمالا وجنوبا حتي تخوم إفريقيا السمراء حاملة التجارة من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال محدثتا بذلك احتكاكا علميا وتجاريا بينها وبين المناطق التى تمر نها، فكان هذا الاحتكاك مصدر ثراء علمي واقتصادي.

وقد خلف جهود علماء مدينة تيشيت ثروة علمية هائلة أودعوها مخطوطاتهم ونوازلهم ورسائلهم ..إلا أن هذه الخطوطات تعرضت للتدهور بفعل عاديات الزمن وقسوة الجفاف الذي ضرب البلاد حينا من الدهر.

زر الذهاب إلى الأعلى